أثارت إحصاءات نشرتها وزارة التعليم الأميركية أواخر العام الماضي، عن أداء الطلاب والتلاميذ الأميركيين في الاختبارات الأكاديمية الدولية، جملة من التعليقات والمخاوف المعهودة، دارت جميعها حول السؤال: كيف للولايات المتحدة أن تنافس في الاقتصاد العالمي، إذا كان طلاب وتلاميذ مدارسها، يتخلفون عن أقرانهم ومنافسيهم في دول مثل سنغافورة وهونج كونج، لاسيما في مادتي الرياضيات والعلوم؟! وبحسب الإحصاءات المذكورة، فقد تخلف أداء تلاميذنا في الصف الرابع، عن أقرانهم في اختبار دولي واحد، عقد في مادة الرياضيات، إذ جاء ترتيبهم الثاني عشر دولياً، بينما جاء ترتيب تلاميذنا في الصف الثامن، في المرتبة الرابعة عشرة. فهل تشير هذه النتائج، إلى دليل إضافي جديد على فشل مدارسنا القومية، وبالتالي فشل نظامنا التعليمي المدرسي؟ الإجابة: كلا، فالحقيقة ليست كذلك. وبإلقاء نظرة فاحصة على مستوى أداء تلاميذنا وطلابنا الأكاديمي، قياساً إلى أقرانهم في العالم، تتجلى لنا خمس أساطير نسجت نسجاً، ويتم الترويج لها، حول تخلف أدائنا الأكاديمي في المستوى التعليمي المدرسي، نلخصها كما يلي:
أولاً؛ يتسم أداء تلاميذنا وطلابنا بالضعف، مقارنة بأداء أقرانهم في بقية أنحاء العالم. ولن يكون هذا الاستنتاج صحيحاً إلا في حالة واحدة فحسب، هي الأخذ بالنتائج العشوائية، مع تجاهل الواقع الفعلي الثابت لأداء الطلاب الأميركيين. ولقياس مستوى الأداء الثابت لطلابنا، فقد اضطلع فريق بحث ثنائي من الأكاديميين بجامعة بنسلفانيا (مؤلف من إيرلنج بوي، وسوجي شين)، بالنظر في نتائج ستة اختبارات رئيسية دولية، أجريت في كل من مهارات القراءة، العلوم، الرياضيات، والشؤون المدنية، كانت قد أجريت خلال الفترة بين عام 1991 وعام 2001، وتوصل هذان الباحثان من خلال القياس الإحصائي ومقارنة أداء طلابنا ببقية أقرانهم في مختلف أنحاء العالم– خاصة في العالم الصناعي المتقدم- إلى أن أداء الطلاب الأميركيين كان فوق المتوسط، مقارنة بزملائهم في 22 دولة صناعية متقدمة. أما في الشؤون المدنية، فما من بلد استطاع طلابه التفوق على طلابنا في هذا المجال. بل حتى في العلوم والرياضيات، لم يكن أداء طلابنا بعيداً عن مستوى الأداء المتوسط بكثير. ورغم أنهم لم ينالوا نجمة ذهبية عن أدائهم في هاتين المادتين، فإن أداءهم لم يتخذ شكل الكارثة الأكاديمية في المقابل. يذكر أيضاً، أن جميع طلاب العالم الصناعي الغربي– وليس الطلاب الأميركيين وحدهم- تخلفوا في مستوى أدائهم العام في مادتي الرياضيات والعلوم، عن أقرانهم اليابانيين. وهذا ما يعكس أن فجوة الأداء في هاتين المادتين، هي ظاهرة شرقية-غربية، أكثر من كونها أميركية فحسب.
ثانياً؛ تخلف الطلاب الأميركيين عن أقرانهم. والحقيقة أن أداء طلابنا آخذ في التحسن المطرد. وكما أظهرت دراسة "اتجاهات الأداء في مادتي الرياضيات والعلوم"، فقد تحسن أداء طلاب الصف الثامن الأميركي في تينك المادتين، ولم يتفوق عليهم من حيث التحسن في الأداء الأكاديمي، سوى طلاب هونج كونج، ولاتفيا، وليتوانيا.
ثالثاًَ؛ أسطورة عدم استعداد طلابنا للتحول إلى قوة عمل منافسة في السوق. وهي أسطورة جرى الترويج لها، وبموجبها ألقى أصحاب العمل والاستثمارات اللوم على مدارسنا، لعدم تأهيلها لقوة العمل اللازمة للتنافس الإنتاجي الاستثماري. وتشكل هذه الأسطورة جزءا لا يتجزأ من رديفتها القائلة بأزمة نظامنا المدرسي. ونذكر أنه تم تعزيزها بصفة خاصة، في مقال نشرته مجلة "لايف" في مارس 1957، بعد إطلاق السوفييت لتجربة "سبوتنك" وما أثارته تلك التجربة من هلع سببه تقدم الروس علينا. ثم تلاها بيان "أمة في خطر" الشهير الذي حذر من النقص الحاد في عدد خريجي مدارسنا الثانوية العليا، في وقت يزداد ويتسارع فيه الطلب على العاملين المهرة في السوق.
لكن رغم هذه البكائيات المتشائمة، فقد صمد الاقتصاد الأميركي وحافظ على موقعه المتقدم في حلبة التنافس الدولية. واليوم حيث أصبح الاتحاد السوفييتي ذكرى من الماضي، ونتيجة للمشكلات الداخلية التي تواجهها اليابان، فقد تحول الخوف من الهاجس السوفييتي، إلى دول أخرى، هي الصين والهند، وغيرهما من المنافسين الاقتصاديين.
وبهذا نصل إلى الأسطورة الرابعة؛ أي علاقة ضعف الأداء المدرسي بتراجع القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي. وهذه هي أم الأساطير، وقد ترسخت في الأذهان بصفة خاصة، نتيجة لإدراج "المنتدى الاقتصادي الدولي" لأداء اقتصاد بلادنا في المرتبة السادسة في العام الماضي، بينما كان قد أدرجه في العام السابق له مباشرة، في المرتبة الأولى من حيث قدرته التنافسية. ونرد على هذه الأسطورة بالقول إنه ليس لهذا الانحدار أدنى صلة بمستوى الأداء الأكاديمي، لكونه يرتبط حسب التقرير نفسه، بعجز الميزان التجاري، وانخفاض مستوى الادخارات، وكذلك بانخفاض العائدات الضريبية، مقابل الزيادة الكبيرة في حجم الإنفاق الحكومي على الدفاع والأمن القومي. ولنذكر أن دينامية اقتصاد بلد ما، هي أكبر بكثير من مجرد قياس درجات أكاديمية يحرزها طلاب المدارس في اختباراتهم السنوية.
خامساً وأخيراً؛ أسطورة أن الأمر كله لا يعدو تباهينا القومي! وفي الرد نقول، إن تطلع أميركا لأن تكون الدولة الأولى والعظمى في كل شيء، هو جزء من الشخصية القومية الأميركية نفسها. على أن التباهي القومي، يمكن أن يتحول إلى شعور مدمر، خاصة عندما يؤدي إلى التعامل مع التنافس التعليمي، وكأنه مجرد لعبة من ألعاب الأولمبياد الدولية. ولذلك فليكن هدفنا الدائم هو تحسين أدائنا الأكاديمي والمدرسي، بصرف النظر عن ترتيبنا في الموقع الأول أو العاشر، في حلبة التنافس التعليمي الدولي.
بول فارهي
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"