قد يظن القاريء أن همومي تنحصر في متاعب تقدم العمر، أو ربما الاصابة بالضغط أو السكر أو هشاشة العظام، الحمد لله الصحة بخير، ولكن الضغط قادم والسكر قادم لا محالة وكل الأمراض قادمة في ظل ذلك التوتر والقلق والحزن والكمد الذي نعيشه.
كنا نشكو من الضوضاء والتلوث بعد أن ازدحم الحي الهادئ الذي نعيش فيه. وادركنا الآن أن هذا بطر وكفر بالنعمة. كيف لإنسان عامل أن يشكو من مجرد ضوضاء يحدثها المارة أو تلوث من عادم السيارات وهناك ضوضاء وازعاج المسئولين لنا ليل نهار بتصريحاتهم التي لايتحقق منها شيء، وهل هناك تلوث اكثر من ذلك الفساد الذي طال كل شيء واستشري.
سألت زوجي يوم أمس ونحن نتناول الافطار. متي أقرأ الصحف؟ وأقصد جميع الصحف الحكومية والمستقلة والمعارضة. ونظر لي في تعجب من سؤالي ولكنني سارعت قائلة: عندما اقرأها في الصباح أظل مكتئبة طوال اليوم حزينة علي ما يجري علي أرض مصر. وعندما أقرأها في المساء إما الأرق أو الكوابيس إذا انعم الله علي ببضع ساعات أخلد فيها للنوم.
الجرائد ياسيدي كأنها تصدر في بلدين مختلفين، ما تنشره صحف الحكومة في واد، وما تنشره الصحف الحزبية والصحف المستقلة في وادٍ آخر. ولو اخترت من اصدق، فقطعا سأصدق الكلمة التي تنبع من القلب ومن الضمير، سأصدق الصورة، وكلها أشياء ليست في صالح صحف الحكومة أو ما يطلقون عليها تدليلا «الصحف القومية»..ما يحدث لقضاة مصر شيء لا أتخيل أنه يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض. كنا دائما نقول مادام القضاء بخير فنحن بخير، ولكن القضاء يضرب ولكن والحمد لله مازال شامخا وقويا. كنا نقول لو قام الأمن بدوره في حماية المواطن لشعرنا حقا بالأمن والأمان «كما يقولون» ولكن عن الأمن حدث ولاحرج فرجال الأمن -ولا تؤاخذني في التعبير- تركوا.. وتشطروا علي البردعة وهو مجرد مثل وأنا أربأ بشعب مصر وبشبابنا أن يكونوا كالبردعة.
أعني أن الأمن ترك الارهاب ومن وراءه وهاجم المتظاهرين المسالمين الذي لايحملون سلاحا سوي ايمانهم بوطنهم واصرارهم علي حياة أفضل.
أنا لست حزينة علي نفسي فقد عشت بما فيه الكفاية ولكن ماذا عن أولادي وأحفادي، وقبل هذا وذاك ماذا عن هذه الأمة العظيمة وكل ما تعانيه من أمراض؟
ما الذي يحدث حولنا؟ وهل هو كابوس سنفيق منه يوما -يارب كل شيء في مصر أصبح للبيع-، تري هل من مصلحة هذا البلد أن يكون اقتصاده كله في يد حفنة صغيرة سواء كانوا مصريين أو أجانب؟ هل من مصلحة مصر أن تخصخص بنوكنا ومطاراتنا وصناعات استراتيجية مثل الحديد والأسمنت؟ هل نترك الاحتكار يفترسنا ويأكلنا قطعة قطعة وهو ولانقول حتي مجرد «الآه» ؟!.
تري هل سنصحو يوما فجدهم يبيعون قناة السويس أو السد العالي أو الأهرام أو أبا الهول؟ أم أنهم سيبيعون الانسان المصري نفسه في سوق النخاسة؟
لماذا تقدم التسهيلات للمستثمر الخارجي ولاتقدم للمصري بنفس الدرجة ونفس السخاء؟ أنا ياسيدي أسكن في حي يقال أنه «راق» به مشروع سياحي تجاري استثماري ضخم، صاحبه مستثمر عربي رأي أن الشوارع من بقية ممتلكاته فهي تغلق حتي تتمكن السيارات الداخلة إلي جراجات المنشأة الضخمة من الدخول. لقد استخسر أن يقطع عدة أمتار من الأرض الخاصة بمشروعه لتكون مداخل للجراجات وآثر أن يستولي علي الشارع، تري هل يستطيع مستثمر مصري أن يفعل هذا خارج مصر أو في داخلها؟
الحديث ذو شجون عشت عصورا أربعة، لن اتحدث عن عهد الملكية فقد كنت دون العاشرة، بكيت بكاء مرا عندما مات جمال عبدالناصر حزنت علي السادات دون بكاء رغم أنه قاد مصر للنصر واسترداد الأرض ولكن مات بعد أن أودع عددا من خيار رجال مصر في غياهب السجون.. ولا اعتقد أنني سأبكي احدا بعد ذلك، غرقت العبارة ومات المئات وهرب الجاني، احترق المسرح ولم نفعل شيئا، احترقت القطارات وخرجت عن مسارها واصدمت ومات العشرات ولم نفعل شيئا..تدني مستوي التعليم والخدمات الصحية وهرب اللصوص بأموال الشعب للخارج ولم نفعل شيئا. الهموم كثيرة كثيرة.