ربما رغبة منها في التخلص من السمعة التي تطاردها كمأوي للاموال المشبوهة اصبحت سويسرا الدولة الاولي في العالم التي توقع علي مبادرة عالمية تقضي باستعادة الاموال التي ينهبها القادة الفاسدون عن بلادهم.. وتهدف المبادرة التي اشترك في تأسيسها البنك الدولي مع الامم المتحدة الي التنسيق بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة لضمان اعادة الاموال المنهوبة الي اصحابها.. بينما يقول البنك الدولي ان هذه المبادرة هي بمثابة تحذير للقادة الفاسدين في اي مكان في العالم.. واكد 'بول سرجر' المسئول عن تطبيق قواعد القانون الدولي في الخارجية السويسرية ان توقيع بلاده علي المبادرة يعد رسالة واضحة موجهة الي الجميع بان الاموال المنهوبة لن تجد لها مأوي في سويسرا في المستقبل.. وقال بيان لوزارة الخارجية السويسرية انه من مصلحة سويسرا الا تصل تلك الاموال الواردة من اصول اجرامية الي ساحتها المالية.. واشار البيان الي الاجراءات التي اتخذتها سويسرا في هذا المجال اما للوقاية من وصول تلك الاموال او لاقتفاء اثرها وتجميدها واعادتها لاصحابها الشرعيين.
يذكر ان المصارف السويسرية وفرت للرئيس الفلبيني الاسبق فرديناند ماركوس مأوي بمبلغ 500 مليون دولار نهبت اثناء حكمه.. وبعد ان تحققت الديمقراطية في الفلبين اقتفي الامر عاما ونصف من الاتصالات والمحاولات مع البنوك السويسرية حتي امكن استعادة الاموال.. كما نقل الزعيم النيجيري السابق ساني اباشا 700 مليون دولار الي بنوك سويسرا.. وغيرهم الكثير من الحالات المماثلة او الاقل شهرة والتي جعلت من بنوك سويسرا ذات الحسابات السرية ملاذا للطغاة.
لهذا انتهزت سويسرا فرصة المبادرة التي اعلنها البنك الدولي وسارعت لتكون اول الموقعين عليها.. والمبادرة اطلقها البنك الدولي مع مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والاجرام الشهر الماضي تحت عنوان 'اعادة الاموال المنهوبة' ويهدف البنك الدولي من خلالها الي استثمار الاموال التي يتم استرجاعها من حسابات القادة الفاسدين في مشاريع تنموية فعالة ومحاربة وجود ساحات مالية تقبل بمثل هذه الاموال وتقدم لها الضمانات الضرورية.
وتشير دراسة علمية الي ان حجم الاموال العابرة للحدود والناتجة عن عمليات اجرامية وعمليات رشوة او من عمليات التهرب الضريبي بلغ ما بين الف مليار والف و600 مليار دولار في العام الواحد.. وتضيف الدراسة بان استعادة 100 مليون دولار فقط يسمح بتمويل برنامج تطعيم كامل بالنسبة لاربعة ملايين طفل.. او بتوفير المياه الصالحة للشرب لحوالي 250 الف بيت او بتقديم العلاج لحوالي 600 الف مصاب بمرض الايدز لمدة سنة كاملة.
وتقترح المبادرة التي اطلقها البنك الدولي من اجل حصار هذه الاموال المشبوهة واعادة الحقوق الي اصحابها حزمة من الاجراءات التي ينبغي علي الدول منفردة او مجتمعة اتخاذها مثل تعزيز المؤسسات والقدرات لدي الدول النامية لكي تقوي وسائل المتابعة القضائية لديها والوصول بها علي مستوي يتماشي مع معايير معاهدة الامم المتحدة لمحاربة الرشوة.. اضافة الي تعزيز مصداقية الاسواق المالية.. وتشديد اجراءات مكافحة غسيل الاموال الناتجة عن نشاط اجرامي وتسهيل اجراءات استعادة تلك الاموال المهربة بتقديم قروض للدول النامية الراغبة في الاستعادة لتسهيل شروعها في مسار المطالبة باستعادة الاموال واخيرا مراقبة كيفية صرف تلك الاموال المستعادة وتوجيهها الي عملية التنمية والبرامج الاجتماعية والتعليم والبنية التحتية.
ولكن توقيع سويسرا علي الاتفاقية او المبادرة قد لا يكون كافيا في نظر البعض.. فقد اشارت منظمة سويسرية غير حكومية تعرف باسم اكشن الساحة المالية الي بعد اخر في هذه القضية وهو قضية القروض التي حصل عليها القادة الفاسدين باسم بلادهم ونهبوها لصالحهم مما ترتب عليه تراكم فوائد القروض علي شعوب هؤلاء القادة رغم انهم لم يستفيدوا باي شيء من هذه الاموال.. وطالبت المنظمة الحكومة السويسرية بوسيلة لحسم هذه المسألة.. وقال اندرية روتينبوهلر احد مديري المنظمة ان التعمال مع هذه القضية اصبح امرا ملحا.. واضاف 'روتينبوهلر' الذي استضافت منظمته مؤتمرا دولياحول هذه القضية في العاصمة السويسرية برن ان هناك ضرورة لانشاء آلية تتعامل مع هذه المشكلة لمساعدة الدول النامية علي الخروج من حلقة الفقر التي تحاصرها.. واشار الي غياب اي وسيلة واضحة ومحددة في القانون الدولي للتعامل مع هذه المشكلة.. خاصة ان الدول التي ورطها قادتها في هذه الديون تجد نفسها مضطرة لدفع فوائد هذه القروض رغم انهم لم يستفيدوا منها بشيء حتي لا تدخل في قائمة سوداء وتحرم من الحصول علي اي قروض جديدة.