قلل رجل الأعمال السعودى الشيخ صالح كامل، من خطورة تأثيرات الأزمة العالمية، على الاقتصاديات العربية، وأكد أن البنوك المركزية، أنقذت بلدان العالمين العربى والإسلامى من التداعيات الخطيرة للأزمة.
وقال صالح كامل فى حواره مع «المصرى اليوم»: إن الطمع وغياب الأخلاق والدين، أهم أسباب الأزمة، التى حمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية عن جزء كبير منها، وانتقد عدم تحقيق التكامل الاقتصادى العربى وعدم خروج السوق العربية المشتركة إلى النور حتى الآن، معلقاً بقوله: «إن تقبيل اللحى لن يحقق التكامل»، وحذر من انهيار سعر الدولار، مؤكداً أنه فى حال هبوطه، هنروح فى داهية.
وإلى نص الحوار..
■ فى نظرك ما الأسباب الحقيقية للأزمة العالمية؟
- الأزمة لها أسباب مادية وإيمانية، أما المادية فكلنا نعلم أنها بدأت بقصة التمويل العقارى فى أمريكا، ثم إفلاس بعض البنوك، والأساس فى كل هذا البلاء هو الديون الأمريكية، التى تعد أكبر ديون التاريخ حيث بلغت ثلاثة أضعاف الناتج القومى الأمريكى! ومع ذلك الدولار الأمريكى هو عملة العالم! وهم ليس لديهم غطاء ذهب أو اقتصاد قوى! وبلغت نسبة اقتراضهم ٣٠٠٪ ولم ينبه أحد أو يعلق على الخطر القائم إذ كان ما حدث متوقعاً.
أما الأسباب الإيمانية فأرى أن الأزمة قضية أخلاق.. وليست فقط أزمة مالية، لأن كل إنسان فى العالم الآن لا يهتم إلا بربحه!، أما الآخرون فليخسروا كى يربح هو، فالطمع أصبح يقود ويحكم الأسواق والتعاملات!،
ولذلك مهما ضخوا من تريليونات للإصلاح فلم ولن تصلح لأنهم يضخون فى أنبوب مثقوب لن يصل إلى النهاية إلا إذا عدنا جميعنا إلى الأخلاق أى إلي طريق الله سبحانه وتعالى وما تنادى به الأديان السماوية جميعها وهو أن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا وأن يكون العدل سائداً بيننا، والله سبحانه وتعالى قال: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض»،
قائلاً: لو الناس كانوا مؤمنين كان ربنا أنزل علينا الخير من كل مكان، لكنهم كاذبون وسيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فأين الأخلاق فى التعاملات التجارية الآن؟! الآية والحديث يعطياننا التفسير الإيمانى للأزمة المالية الاقتصادية العالمية الراهنة، وهو ما لم يمر عليه أو يذكره أى محلل أو مفسر للأزمة!، مع أنه - يقصد التفسير الإيمانى - لا يتطلب بالضرورة أن يكون المفسر مسلماً لأن الأديان السماوية تدعو إلى الأخلاق فى التعاملات.
■ إلى أى مدى تأثرت الدول العربية بالأزمة؟
- تأثيرها على العالم العربى كان أقل بكثير منه على دول أخرى كثيرة فى العالم، ليس لأننا عباقرة، ولكن لسببين، الأول: أن الله سبحانه وتعالى سخر للمنطقة العربية أو الدول الخليجية خاصة فوائض مالية قبل الأزمة، والسبب الثانى: أن البنوك المركزية فى الدول العربية كانت تنفذ التعليمات الدولية - ضعفاً منها أمام الغرب - (بحذافيرها) «بازل وان» و«بازل تو» فرب ضارة نافعة، فالضارة أننا كنا خانعين نطبق تعليماتهم خوفاً، والنافعة أن التطبيق جاء فى صالحنا وربنا أنقذنا فكان الأثر السلبى علينا أقل ممن كانوا متكبرين متغطرسين يعتقدون أنفسهم أساتذة فأصابتهم النكبة أكثر منا.
■ ما توقعاتك لتداعيات الأزمة؟
- لا يوجد شخص فى العالم يستطيع أن يعرف متى ستنتهى الأزمة، أو ما هى حدود آثارها لأن كل يوم تتكشف فيه مصيبة جديدة وهذا يعنى أن الفساد لديهم متراكم بدرجة تزكم الأنوف!
■ الأخطار التى تواجهها اقتصادات العالم من ارتفاع للأسعار ونقص فى الغذاء.. إلخ ما تفسيركم لها؟
- الأزمة الاقتصادية لها أسباب متراكمة، والله سبحانه وتعالى حذر منها وصورها فى قوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس» وهل توجد صورة أدق وأروع من هذه الصورة لحالة العالم اليوم، قرنان ونحن نأكل الربا بافتخار حتى جاءت هذه المصيبة، وأتبعتها أنفلونزا الخنازير، ولا أحد يعلم ما الذى يمكن أن يحدث أيضاً بسببها، وإن لم تعد الناس إلى الجذور الإيمانية كل حسب دينه ففى النهاية الله واحد، فلن يصلح الكون.
■ فى اعتقادك متى بدأت الأزمة؟
- الأزمة لم تبدأ منذ سنة أو عشر سنوات وإنما منذ أن ألغى الغطاء الذهبى للعملات، وأصبحت كل دولة حرة فى طباعة عملتها، فحينما تطبع دولة فقيرة مثل السودان عملات تنخفض قيمة الجنيه، وإذا كانت دولة قوية بسلاحها - ولا أقول باقتصادها- فأمريكا قوية بسلاحها وغطاء الدولار هو الصواريخ والقنابل النووية والسلاح الأمريكى فهى تطبع دولارات كيفما شاءت!
وتستدين سندات خزانة كما تريد! فالآن صار الدولار، بالرغم من أنه أحد أكبر مسببات الأزمة كتلة نقدية ضخمة سببت التضخم وارتفاع الأسعار، حتى إننا صرنا ندعو الله ألا ينزل سعر الدولار لأنه إذا طاح كلنا (هنروح فى داهية)! وشر البلية أننا ندعو لما هو سبب فى الكارثة!! ونقول: الله يستر عليه!
يصمت رجل الأعمال لوهلة ثم يستطرد قائلاً: «الأزمة ليست بسيطة وليست حديثة! وإنما موجودة منذ أن تفردت أمريكا بسيادة العالم، قبل انهيار الاتحاد السوفيتى وهى تنفرد بسيادة العالم وتفردت بعملتها! فأنت حينما تشترى سيارة من اليابان تدفع بالدولار، وإذا اشتريت بترولا من دولة خليجية أو عربية تدفع بالدولار! وأمريكا تطبع ورقاً دون أن تخسر شيئاً وهى المستفيدة من كل شىء!!
فكثر المال لديهم حتى طغوا وأصبحت حوافز مديرى البنوك والشركات بمئات الملايين، ودين الشركات بالبلايين! فهم يقولون إنهم سيسددون ديون «كرايسلر» التى بلغت ٩ بلايين دولار! ما هى هذه الشركة التى مازالت تحيا وهى مدينة بـ٩ بلايين دولار؟!
وأرى أن كبر حجم الكتلة النقدية سواء كانت دولارات أو نقوداً ائتمانية جعل كل بنك يسلف كما يريد دون ضوابط حتى إنهم وجدوا بنوكاً أقرضت ودائع فاقت رأسمالها بـ٨٠ مرة وطبعاً أفلست، ويحكمون علينا أن نسلف ١٠ مرات فقط! بينما هم يصلون إلى ٨٠ أو ٩٠ مرة أكثر مما لديهم من ورق!!
■ أتعتقد أن التوريق هو أصل المشكلة؟
- نعم.. لأن التوريق يوجد كتلة نقود ليس لها وجود ولكنها تؤثر فى التضخم، وبعد التوريق لجأوا إلى المشتقات والتى تعنى أنهم يبيعون الدين أكثر من مرة أى يتم توريق الدين على الورق، فالدين الذى عليك يباع ٤٠ مرة بعدك! وطبعاً أصبح أضعافاً مضاعفة كما قال القرآن الكريم: «لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة». وهذا ما حدث ورأيناه فأصل الدين كان ١٠ ووصل إلى ألف أضعاف مضاعفة! وجاءت الأزمة وكشفت المستور.
■ «الغزو أتى متخفياً فى ثياب العولمة».. هذه الجملة رددها البعض.. فما تعليقك؟.. هل تتفق معها؟
- أنا لست مؤمناً بنظرية المؤامرة، وأرى أن العولمة لها محاسنها ومساوئها، وإذا كانت غزواً متخفياً للسيطرة على الدول العربية.. فهى أضرت العالم الغربى أول ما أضرت، بمعنى: أن الأدوات المالية الموجودة فى بنك ما تنتشر إلى مئات البنوك الأخرى، وهذه من نتائج العولمة ولذلك انعكست الأزمة العقارية على بنوك أوروبا، وهذا لم يكن موجهاً ضدنا، وإنما الفساد لا يصلح لأن يكون قاعدة الاقتصاد.
فالعولمة يمكن أن تكون خيراً إذا نفذناها بخير وستكون فى مصلحة العالم أجمع، وإذا نفذت بالمطامع البشرية فكل واحد يطمع يأكل الثانى، وكل بنك يطمع يأكل الآخر، وكل دولة تطمع تأكل الأصغر منها. فالنتيجة الطبيعية أن المركب يغرق بمن فيه.
■ التعثرات البنكية ازدادت مؤخراً.. كيف يتم معالجتها والحد منها؟
- بداية لابد أن نشكر بنوكنا المركزية علي الفترة الماضية التى كانت قوية فيها فأنقذتنا من الأزمة، لكننا نرجوها الآن ألا تشدد قبضتها وأن تضع تعليمات استثنائية فى الفترة الحالية لأننا نحتاج إلى ضخ دماء فى الاقتصاد الحقيقى لا أن نخنق المؤسسات التجارية الحقيقية، بل نخنق اللصوص والنصابين.
■ بمعنى؟
- بمعنى أنه إذا كانت لديك مؤسسة ناجحة ونتيجة للأزمة المالية العالمية تعثرت وتدنت قيمة أصولها، لا يجب أن أفرض عليها كبنك الدفع الفورى ولو بالحصول على أصولها! وإذا لم ترضخ أوقف عنها التمويل! لأن إيقاف التمويل يعنى تعثراً أكثر يدفع إلى فصل الموظفين، وهذا يؤدى بدوره إلى زيادة البطالة وإيجاد الكساد فندخل فى دائرة لن نستطيع الخروج منها.
فيجب على الحكومات الآن وفى هذه الأزمة أن تضع تعليمات للبنوك العربية تطمئنها للاستمرار فى تمويل عملائها ذوى الخبرة والمضمونين وتشجيعهم بتمويلهم لا بفرض قيود تخنقهم!
■ دائماً تنادى بالاقتصاد الإسلامى.. هل تعتقد أنه يستطيع حل مشاكل العالم العربى؟
- الاقتصاد الإسلامى يمكنه حل مشاكل العالم أجمع، وكل مشاكل البشرية إذا فهمناه وطبقناه بالشكل الصحيح.
وأرى أن الاقتصاد الإسلامى لم يأت للمسلمين فقط وإنما جاء لكل العالم فأنا كمسلم مأمور بأن أتعامل مع غير المسلم بنفس تعاملى مع المسلم، حتى الزكاة له حق فيها إن كان مواطناً فقيراً وإن كان غير مسلم، فالإسلام لا يفرق بين مسلم وغير مسلم خاصة فى الناحية الاقتصادية.
■ هل تحل الزكاة كل مشاكل العالم ؟
- لا أقول الزكاة، وهى الركن الثالث فى الإسلام، وحدها وإنما أقول بخطة اقتصادية متكاملة قائمة على التطبيق الصحيح للدين، فتبدأ بالزكاة ومعها منع الربا كعمودين أساسيين ويليهما عشرات القواعد من منع الاحتكار واحترام السوق وعدم الغش وعدم التزوير وعدم التسعير وأشياء أخرى كثيرة تمثل خطة متكاملة لو طبقناها لقدمنا هدية للبشرية.
■ كيف ترى مستقبل العالم الإسلامى؟
- نحن نمر حالياً بمحنة يمكننا أن نحولها إلى منحة إذا فهمنا قواعد ديننا وطبقناها فيما بيننا وبين العالم كله، ودعوناهم لتطبيقها. ليس باسم الإسلام وإنما باسم الأخلاق والاقتصاد الوسطى، والاقتصاد الأخلاقى العادل، فمن ذا الذى يعترض على العدل؟!
■ تقصد أن نتخلى عن المسميات والمصطلحات؟
- نحن لا يعنينا عصبية أو عنصرية، نحن ننادى لكلمة سواء وننادى بالعودة إلى العدل والأخلاق.
■ بالرغم من الثروات الهائلة التى منحها الله للدول العربية، سواء كانت طبيعية أو بشرية أو مادية، فإنهم لم يستطيعوا تحقيق التكامل، لماذا؟
- لأنهم لم يشعروا بحاجتهم للتكامل، فإذا شعروا بحاجتهم إلى التكامل - ولا أقصد المصالحات بتقبيل اللحى - وكانوا مخلصين فى التكامل والمحبة، ممكن أن يصلوا إلى التكامل.
■ هل يعد ذلك سبباً فى توقف حلم السوق العربية المشتركة حتى الآن؟
- طبعاً هذا هو السبب، لأنهم يجتمعون ويقولون نريد سوقاً مشتركة لكن فى الحقيقة لا يريدها أحد.
■ المملكة العربية السعودية تصدرت قائمة أكبر ٢٠ دولة مستثمرة فى مصر، إلا أنه لم يحدث تكامل غذائى أو زراعى بين الدولتين، ما تفسيرك؟
- صمت لبرهة وقال بحسرة شديدة: أنا ممن استثمروا فى المجال الزراعى فى مصر وخسرت رأسمالى كله أربع مرات!
■ لماذا؟
- لأن البيئة طاردة، لابد أن نرجع إلى القيم والأخلاق.
■ ما المشروع الذى خسرته؟
- كانت لدى مزارع فى النوبارية مساحتها ٦ آلاف فدان، وكان فيها ٨ آلاف بقرة، هو مشروع «دلة البركة» فقد جربت عدة إدارات مختلفة، ميدانية وعسكرية وجامعية مصرية وسويسرية، ولم يستمر المشروع والسبب أن القيم غير موجودة عند العامل ولا رئيسه ولا التجار ولا أبرئ نفسى أيضاً، وكلامى هذا لا يخص مصر فقط، وإنما السعودية أيضاً وكل الدول العربية!
■ وهل يعد ذلك سبباً فى وصول نسبة البطالة فى العالم العربى إلى أعلى نسبة فى العالم؟
- ربما يكون ذلك سبباً، لكنه لا يعفينا أمام الله، لأنه تعالى يقول: «ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات» ولم يكتف بل زاد: «ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً» فالله رفعنى درجة كى أشغل الناس، واللحظة التى أتوقف فيها عن تشغيل الناس ينتهى فيها عامل التفضيل، لكن لا يوجد رجل أعمال يفكر هذا التفكير، فهو يظن أن الملايين التى لديه امتلكها بشطارته فيذهب بها إلى البورصة، فالمليون يصير ١٠ ملايين فى سنة، ولم يكد أو يتعب أو يفد بها الناس من خلال تشغيلهم.
■ هل الأفضل لرجل الأعمال الناجح أن ينوع استثماراته؟
- لا، فهذا يعتمد على إمكاناته المادية والذهنية، فإذا كانت محدودة يكون الأفضل له أن يتخصص فى مجال بعينه.
■ كرجل أعمال، ماذا تحتاج من الحكومات العربية؟
- الضوء الأخضر، وتسهيل العقبات، وسرعة إنهاء الأوراق والتخلص من الروتين.
■ ما نصيحتك لرجال الأعمال العرب؟
- نصيحتى لكل رجل أعمال أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى عندما أنعم عليه بالمال والفكر فهو فضله درجة ليوجد عملاً للآخرين، وليعلم أن الله تعالى يقول: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، ويقول: «هو الذى أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» أى أمركم بإعمار الأرض ونفع عباده، فعلى رجل الأعمال - أو صاحبة الأعمال - أن ينفذ الاثنين وقبل ذلك تقوى الله: «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» صدق الله العظيم.
■ ما تقييمك لمجتمع رجال الأعمال العرب؟
- والله أنا واحد منهم، فلا أستطيع أن أقيمهم، ولكن أقول إن حالتنا بـ«الويل».
■ ماذا عن لجوء بعض رجال الأعمال إلى الاستثمار فى البورصة؟
- أنا أقول إن البورصة شر لابد منه، فهى مكان لابد من تواجده من أجل صغار المستثمرين أو الشخص الذى لا يستطيع أن ينتج وليس لديه القدرة المالية والذهنية، ولكننى ضد أن يدخل مليونير البورصة لشراء أسهم يكون ثمنها عند الشراء خمسة جنيهات ثم ترتفع بعد ذلك لتصل إلى ٨ أو ٩ جنيهات فيبيعها ليكسب الفارق ويربح ملايين على حساب الصغار الذين اشتروا أسهماً قليلة بكل ما يملكون.