العرب عصام حشيش وأماني صادق
في مدينة برج العرب كان المهندس رشيد محمد رشيد علي موعد لافتتاح احد المصانع التي اقيمت لغزل القطن طويل التيلة لانتاج غزول رفيعة جدا يطلق عليها اسم 'حرير القطن' وقد تكلف هذا المصنع اكثر من 300 مليون جنيه وسيتم استكمال السلسلة بتحويل هذه الغزول الي اقمشة ثم تحويل الاقمشة الي ملابس وتزويدها بالموضة والتقاليع التي تجعل القيمة المضافة هائلة وباكتمال مجموعة من السلاسل التي تستخدم القطن فائق الطول بمدينة برج العرب بالتعاون مع الخبرة الايطالية والسويسرية والالمانية سيتحول الفلاح الذي يجد في الكانتلوب والفراولة مغنما الي القطن طويل التيلة يبحث عن انسب الطرق لزراعته وتسويقه.
المهندس رشيد في زيارته لبرج العرب اراد ان يطلقها كبشارة تعيد التوازن للمعادلة وحين قال باصرار: القطن المصري لم يمت وانما هو حي وسيعيش ليثبت جدارته امام منافسيه في العالم ولكن السؤال هو كيف؟.
معاناة الفلاح
سنوات والفلاح المصري يعاني مع القطن زرع طويل التيلة واشترته منه الدولة بأقل الاسعار وعندما وجد المصانع المحلية لا تستفيد من الاقطان فائقة الطول وتفضل عليه قصيرة او متوسطة التيلة قام بزراعتها من اجلهم فإذا بالمصانع تفضل ان تستود هذه النوعية من الخارج فهي مستوردة ارخص. واخيرا وجد الفلاح نفسه في نهاية طريق مسدود. فانقلب علي القطن وكفر به وتحول الي زراعة البطيخ والكانتلوب والفراولة وربما البطاطس والخضروات فهي اكسب واربح له.. والمثير أنه عندما فعل ذلك لم يجد من ينصحه ويرشده لانه بذلك يضيع اكبر ميزة للذهب الابيض الذي تتميز مصر بانتاجه بل تركوه وقالوا له بوضوح انت حر ومن منطلق هذه الحرية ظلت مساحات القطن في مصر تتراجع وتتراجع حتي تقلصت من 2 مليون فدان قبل عدة اعوام الي حوالي نصف مليون فدان فقط العام الماضي ولكن يبدو ان الصناعة هذه المرة هي التي ستحل ازمة الزراعة!!
الكنز الحقيقي
احتياجات الصناعة المصرية للقطن المصري هي التي ستبعث الامل في زراعة القطن وتخلق الطلب عليه وهذا هو ما بشر به المهندس رشيد لاول مرة عندما زار مصانع برج العرب يوم الخميس الماضي. يقول المهندس رشيد: بالفعل لقد فقدنا الطريق الذي تميزت به مصر طويلا في العالم وللاسف تحول التركيز الي زراعة القطن قصير التيلة الذي لا نملك فيه اي مزايا وهذا ما يدفعنا الان للتوقف وتحديد الاتجاه ونعيد التركيز لاحياء الميزة التنافسية الهامة الي الساحة وهي القطن طويل التيلة والبداية من الصناعة المتطورة التي تعتمد علي هذه النوعية ولكن علي ارضنا في مصر لنعظم القيمة المضافة من القطن الذي نزرعه لانتاج غزول رفيعة نستخدمها في اطار سلسلة متكاملة من الصناعات لانتاج اقمشة ومنسوجات بل وملابس جاهزة عالية القيمة وهذا هو الكنز الحقيقي للقطن المصري ويبدو ان برج العرب ستنضم الي قلاع مصر التقليدية في مجال صناعة القطن الي جانب المحلة الكبري وكفر الدوار وشبرا الخيمة.. فسوف تشهد هذه المدينة اقامة سلاسل متكاملة في مجال الصناعات النسجية تعتمد كلها علي القطن المصري والذي يبعث علي الطمأنينة ان الالمان والايطاليين والسويسريين الذين منحوا من قبل ريادة صناعة الغزل والنسيج من بعدهم لكل من الهند وباكستان وبنجلاديش هم انفسهم الذين يقيمون معنا هذه الصناعة في برج العرب وباستثمارات ضخمة تتجاوز ملياري جنيه فهناك منظومة متكاملة من الصناعات النسجية كانت هي محور مباحثات المهندس رشيد في ايطاليا الشهر الماضي حيث وافق المستثمرون الايطاليون علي الدخول بقوة في الشراكة مع مصر لتصنيع اقمشة عالية القيمة من حرير القطن فقد كانوا ولسنوات هم المسيطرون علي هذه الصناعة انطلاقا من بلادهم وهم الان مستعدون للتنازل بالانضمام لشركاء جدد في مصر بدلا من ان يضيع عليهم السوق كله لذلك ستشهد الساحة المصرية قريبا اسماء تجارية عالمية تستثمر وتنتج وتصدر الي العالم كله انطلاقا من مصر وبالذات من برج العرب التي تزداد ازدهارا ونشاطا كل يوم حيث ستكون هي المركز الاول لتصنيع وتطوير القطن طويل التيلة وغزوله ومنتجاته في الفترة القادمة.
الجدية والالتزام
لم يبق الا ان يؤمن الفلاح بجدوي هذه السياسة فمصر بالفعل تمر الان بمرحلة انتقالية تستعيد فيها ما فقدته من ريادة انتاج القطن وربما كانت البداية المتمثلة في انشاء مصانع النسجيات المتميزة هي اكبر حافز علي ظهور الطلب بقوته الواقعية.. فلن يكون امام الفلاح بعدها وبمساندة الدولة الا ان يلبي هذا الطلب تحقيقا لمصالحه ولمصالح بلده.. وهم واثقون اولا في جدية المهندس رشيد وزير التجارة والصناعة وفي التزام امين اباظة وزير الزراعة الذي اكد ان الدولة ستعمل علي خفض تكاليف الزراعة وتكاليف الجني والمقاومة الي جانب رفع انتاجية الاقطان وتحسين اجراءات التسويق ومن يدري فربما بهذه الروح تعود الدول الاوربية التي نقلت مصانعها الي دول اسيا فتنقلها مرة اخري الي بلادنا ليعود القطن المصري.. ويسود.