يوصف خيرت الشاطر بالرجل القوي في جماعة الإخوان.. فهو النائب الثاني للمرشد العام.. والمسئول عن منطقة القاهرة الكبري.. وسلك الاتصال الممتد تحت الأرض بالتنظيم الدولي للجماعة.. ووزير ماليتها الذي يعرف كل شيء عن الفلوس.. من أين تأتي؟.. كيف تستثمر؟.. ومن ينفقها؟.
وربما كان وصف"الصقر الكامن"هو الوصف الأدق له.. خاصة إذا ما قورن بمهدي عاكف.. المرشد العام الذي لا حول له ولا قوة.."خيال المآتة"الذي فقد صلاحيته.. فلم تعد الطيور تخشاه.. الحنجرة التي تهذي بتصريحات متناقضة.. متوترة.. لا تساوي العشرين ألف جنيه التي يتقاضاها كل شهر تحت بند"بدل تفرغ".. بخلاف السيارات والبنزين ومصاريف الصيانة والإصلاح ومرتبات السائقين الذين يعملون عنده.
و"بدل التفرغ" هو الوصف الإسلامي لكلمة مرتب.. وعلي خيرت الشاطر أن يدبرها للمرشد ولغيره من قيادات الجماعة المتفرغين لها.. ومنهم الدكتور عصام العريان المحسوب علي جناح الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح.. المستفيد الوحيد من تورط خيرت الشاطر في القضية الأخيرة.. القضية رقم 965 لسنة 2006 أمن دولة عليا.. فغياب خيرت الشاطر يزيح أقوي العقبات أمام عبدالمنعم أبو الفتوح للوصول إلي منصب المرشد.. خاصة ان علاقته أقوي من غيره بالتنظيم الدولي.. وأتاح له منصب أمين عام اتحاد الأطباء العرب الذي يشغله فرص السفر بحرية وحضور اجتماعات التنظيم الدولي.. وقد حضر بالفعل آخر ثلاثة اجتماعات لذلك التنظيم المثير للريبة.
والتنظيم الدولي مكون من 13 عضوا منهم ثمانية من بلد المرشد وخمسة من دول إسلامية أخري بالإضافة للمرشد نفسه الذي لا يحق له التصويت وإن كان عليه تأييد الصوت الراجح.. ويحافظ التنظيم الدولي علي أن يكون مرشده العام من مصر لأنها أكثر حرية من غيرها.. كما أن وجوده خارج مصر قد يسبب قلقا داخليا بسبب حدة الصراعات المذهبية والطائفية في غالبية الدول الإسلامية.. لقد خاف فيصل مالاوي نائب المرشد في لبنان.. وحسن هويدي نائب المرشد في سوريا من ترشيح نفسيهما لمنصب المرشد حتي لا يؤدي ذلك إلي مزيد من الضغوط السياسية والأمنية عليهما.
وقد كان القبض علي خيرت الشاطر مفاجأة له.. شلت حركته.. وأعجزته عن إخفاء ما لديه من أموال سائلة وصلت إلي أكثر من مليوني جنيه في صورة عملات أجنبية (يورو ودولار وريال سعودي) بينما لم يكن لديه أكثر من 265 جنيها عند القبض عليه في عام 1995.. علي ذمة القضية التي عرفت بقضية «سلسبيل».. ولم يتح له أيضا تدمير ملفاته المالية.. والتنظيمية.. كما فعل في القضية السابقة.. وهو ما اتاح كميات هائلة من المستندات والوثائق وضعت في عشرة صناديق من الكرتون.. وجعلت القضية أشد خطورة.. وأكثر اكتمالا من غيرها.
وخيرت الشاطر كان من القيادات الطلابية الناصرية واليسارية في هندسة الإسكندرية.. لكن.. نجح الشيخ صبري عراق وهو قيادة إخوانية في تجنيده بالجماعة التي نقلها نقلة عصرية بدراسته الكمبيوتر والبرمجيات في المانيا التي عاد منها ليتحالف مع حسن مالك ويكونا شركة سلسبيل.
وحسن مالك الذي يقترب عمره من الخمسين، محاسب، تزوج من جيهان شقيقة أحمد محمد عليوة صاحب شركة «الحجاز» لتوظيف الأموال واشترك معه في تجارة العملات وهو أول نشاط مالي للجماعة بعد أن اباحت فتوي شرعية ذلك.
أما عائلة حسن مالك فتبدأ من الأب الذي كان عاملا في السكك الحديدية (محولجي) وترك الخدمة في عام 1995 ليتفرغ للدعوة للجماعة ولورشة نسيج استوردت خيوط الغزل من جناح التنظيم في تركيا من خلال شركة تسمي"فجر"تركت إدارتها لخيرت الشاطر الذي حقق أرباحا طائلة من معارض السلع المعمرة في النقابات التي يسيطر عليها الإخوان مثل نقابة المهندسين والمحامين والأطباء.. حيث كان المعرض الواحد يصفي نحو 400 ألف جنيه.. وكان ذلك النوع من الاستثمار نقلة نوعية في تنمية أموال الجماعة.
وقد طورت الجماعة استثمار أموالها في صور شركات متعددة ومتنوعة رأسمالها بسيط.. نشاطها عريض.. ولكن الأهم والأخطر أنها شركات متداخلة بحيث يصعب التعرف علي حقيقة المساهمين فيها من مراجعة السجل التجاري.. شركة مقاولات تدخل في شركة برمجيات.. وشركة ملابس تسهم في شركة أغذية.. وشركة كمبيوتر تندمج في شركة سياحة.. وهكذا.. تاهت الحقيقة.. أو كادت.
ويعكف عدد هائل من الخبراء الماليين علي فحص أوراق الشركات التي قبض علي أصحابها أخيرا.. ليعرفوا رءوسها من أقدامها.. ويصل العدد إلي 16 شركة.. تعمل في جميع الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية.. وعرفت من أحد هؤلاء الخبراء أنهم يقدرون حجم أعمالها مبدئيا بنحو 6 مليارات جنيه.. ويتولي الاشراف عليها عشرون عضوا قياديا بالجماعة هم المسئولون عن التمويل علي رأسهم خيرت الشاطر وحسن مالك ويوسف ندا.
ويوسف ندا من جيل سابق.. ترك مصر منذ سنوات طويلة.. يعيش في سويسرا.. يوصف بمفوض العلاقات الدولية للجماعة.. لكن.. الأهم أنه المسئول الأول عن أموالها علي مستوي التنظيم الدولي.. وقد كون ثروته من تجارة اللحم والأسمنت.. ثم تنوعت استثماراته في لندن وجنيف.. ونجح في تكوين شبكة علاقات قوية بسياسيين وتجار ورجال أعمال عرب في الخليج والسعودية ومصر سهلت عليه حركته وجعلته يتحمس لتأسيس بنك «التقوي» في جزر البهاما بفلوس الإخوان.. ومنهم مصريون.
وقد تعرض يوسف ندا لضربة قاصمة بعد هجمات سبتمبر ووضع بنك التقوي تحت المراقبة الأمريكية فكان أن قرر هو وتنظيمات الجماعة المختلفة الاستثمار في مصر.. فقبل ذلك لم تكن ثروات الإخوان سوي منقولات وعقارات شخصية.. لكن.. بعد ذلك تحولت إلي مشروعات وشركات تستثمر وتمول بعد أن سدت في وجهها المنافذ الخارجية.
وربما لا يعرف سوي الإخوان أن يوسف ندا يملك ثلاث شقق باسمه تصل قيمتها إلي 12 مليون جنيه في عمارة تقع في حي مصر الجديدة ويسكن فيها علاء مبارك ويمتلك إخواني آخر هو غالب همت شقتين فيها أيضا.. والمعروف أنه هو ويوسف ندا متهمين في القضية وإن لم يقبض عليهما.. لهروبهما إلي الخارج.. وقد قام يوسف ندا بتأجير الشقق الثلاث إلي أحمد منصور (المذيع بقناة الجزيرة الذي أجري معه حوارا طويلا استغرق عدة حلقات) حتي ينتهي من بناء فيللته علي أطراف القاهرة.
وقد وضع يوسف ندا في قائمة اتهام القضية الأخيرة ووجهت إليه تهمة تمويل نشاط وشركات جماعة محظورة تحرض علي استعمال العنف تحت ستار الجهاد ضد الولايات المتحدة بصفة خاصة والغرب بصفة عامة.. وهو ما جعل تهمة غسيل الأموال من نصيبه أيضا.. وشاركه في التهمة باقي المقبوض عليهم وعددهم أربعون شخصا بخلاف ثمانية هاربين.. منهم يوسف ندا نفسه (مصري ــ سويسري) وإبراهيم فاروق الزيات (مصري ــ الماني) وفتحي أحمد الخولي (مصري ــ سعودي) ويوسف توفيق يوسف (مصري ــ كويتي) وعلي غالب محمود (سوري) وهو ما يعني أننا أمام قضية متعددة الجنسيات تتجاوز النطاق المحلي لجماعة الإخوان إلي تنظيمها الدولي.
وقد كان مقررا أن يكون لذلك التنظيم محطة تليفزيونية فضائية تعبر عنه وتدعو إلي عودة الخلافة واستنهاض مشاعر المسلمين وتهيئة الرأي العام في الدول العربية للجهاد.. وحسب تقرير محررنا عبد الحفيظ سعد فإن خيرت الشاطر لم يبلغ مهدي عاكف بأمر هذه القناة.. وكلف أحمد عز الدين المستشار الإعلامي للمرشد بالسفر إلي الدوحة لمقابلة أحمد منصور وحازم غراب (في الجزيرة) لبحث الترتيبات الفنية اللازمة.. لكن.. كان هناك قرار بمنع أحمد عز الدين من السفر ينتظره في مطار القاهرة.
وفي الوقت نفسه اعتبر التنظيم الدولي للإخوان جماعة حماس بمثابة الجيش الإسلامي لها.. وقد ضاعفت علاقة خالد مشعل بخيرت الشاطر من قوته.. كما كانت حماس سببا في زيادة ما يدفعه أعضاء الجماعة من مبالغ إجبارية لها.. إن عدد أعضاء الجماعة في مصر يصل إلي ثلاثين ألف عضو منهم خمسة آلاف في القاهرة وحدها.. علي كل منهم أن يدفع عشرة في المائة من دخله للجماعة.. أضيف إليها أخيرا خمسة في المائة لحماس.. بخلاف التبرعات والهبات وما يتيسر من أرباح الشركات والمشروعات.
وتضم قائمة الشركات التي يجري فحصها علي ذمة القضية الحالية ما يؤكد تنوع الاستثمارات الإخوانية وتشابكها بين الداخل والخارج:
(1) شركة فيرجيينا للسياحة: أسسها حسن مالك وانبثقت من شركة أخري في الويات المتحدة سبق أن أسسها إخواني مصري هو محمد عبد العال وشاركه فيها مصطفي ندا شقيق يوسف ندا ثم تنازلا عنها لحسن مالك.. وتملك هذه الشركة قرية سياحية تسمي «الياسمين» في طريق مرسي مطروح.
(2) الشركة المصرية للتجارة والتوريد (رواج) التي تملك توكيل مفروشات وأثاث استقبال التركية ويملكها حسن مالك أيضا.
(3) توكيل صرار للملابس التركية الجاهزة وهي نوعية من الملابس الأنيقة الغالية التي لا يقل ثمن البدلة الرجالي منها عن خمسة آلاف جنيه.
(4) محلات العباءة الفريدة ومحلات العباءة الشرقية وتوكيل لماركة الملابس الكاجوال الشهيرة باسم داليدرس.
(5) شركة «حياة» للأدوية ويشترك في ملكيتها خيرت الشاطر ومحمد محمود حافظ وأحمد محمود أحمد شوشة وأحمد محمد عبد الرحمن وهو هارب وشريك جزائري يسمي زكريا بومعراب.
(6) شركة «التنمية العقارية» ويملكها عبد الرحمن سعودي وهو أصلا طبيب بشري لكنه احترف العمل في المقاولات.
(7) شركة «أم سي أر» للمقاولات وتعمل في قطر وجيبوتي ويسهم فيها خيرت الشاطر واحمد شوشة واسعد الشيخ.. وهو سوري.. هارب.
(
شركة «المدائن» للإنشاءات ويشارك فيها خيرت الشاطر وأحمد شوشة وأسعد الشيخ أيضا.
(9) دار الطباعة والنشر الإسلامية وهي في مدينة العاشر من رمضان وتضم مساهمين لا حصر لهم بعضهم من الرعيل الأول للجماعة ويديرها أحمد أشرف عبدالوارث وحسن زلط وهو متهم هارب.. وتتولي هذه الدار طباعة كل ما يخص الجماعة من كتب ومنشورات ودعايات انتخابية.
(10) شركة «السلام» للمواد الغذائية ويملكها خالد عودة في أسيوط (ابن عبد القادر عودة الذي أعدم في السنوات الأولي لثورة يوليو) وهو يملك ايضا شركة «طلائع الإيمان» وغيرها من الشركات الصغيرة في أسيوط ايضا.
وهناك شركات أخري في المقاولات والبرمجيات والاتصالات وبعضها يشارك فيه خيرت الشاطر وهو ما يلقي بظلال من الشك عليه وعلي الجماعة فهو قد بقي في السجن عشر سنوات علي ذمة قضية «سلسبيل» فكيف كون كل هذه الثروة في السنوات القليلة التي تلت خروجه من السجن؟.
الحقيقة أن من الصعب فرز أموال الجماعة عن أموال رجال الأعمال المنتمين إليها.. من الصعب معرفة ما للجماعة من استثمارات وما للأثرياء المنتمين إليها.. لكن.. من المعروف أن الجماعة ليست كيانا قانونيا يسمح بالاستثمار المعلن والواضح والمستقل ومن ثم فإنها تستثمر أموالها من خلال واجهات أخري علي أن تأخذ الضمانات الكافية لاستعادة أموالها ومشاريعها واستثماراتها وشركاتها في الوقت المناسب.. تأخذ ما يسمي بأوراق الضد المسجلة في الشهر العقاري والتي تضمن حقوقها.
إن مقر الجماعة علي سبيل المثال باسم حسن الجمل ولم يستطع ورثته المطالبة به فهو قانونا تنازل عنه بأوراق الضد.. وعندما مات المرشد العام الأسبق عمر التلمساني طالب ورثته بنصيبهم في دار النشر والتوزيع الإسلامية التي يمتلك بعضا منها لكنهم فوجئوا بوجود أوراق ضد تحرمهم من الميراث.
ويستغل التنظيم الدولي وجود التنظيمات المحلية في توفير فرص عمل لأعضاء الجماعة في مصر وفي غيرها فيحمل العضو المصري مثلا خطاب توصية إلي الدولة التي سافر للعمل بها ويقدمه إلي المسئول عن التنظيم هناك فيعامله حسب درجته التنظيمية ويساعده حتي يجد العمل الذي يناسبه ليحول إلي الجماعة نصيبها المقرر.. وتعرف بعض الدول العربية مثل السعودية ما يحدث علي أرضها.. وتوافق عليها بشرط ألا يجند أحد من أبنائها في التنظيم.. ويحظي المرشد العام مهدي عاكف برعاية فائقة من السلطات هناك بدت واضحة من استقبال وزير الداخلية السعودي له في موسم الحج قبل الماضي.
وفي كل دولة إسلامية مسئول عن المصريين الذين يعملون فيها وبعضهم يفضل أن يكون خارج التنظيم مثل يوسف القرضاوي الذي عرضوا عليه منصب المرشد العام فرفض.. فدعمه ومساندته للجماعة وهو خارجها أفضل واقوي وأهم وأكثر حرية بالنسبة له ولها.
ولا يمنع ذلك وجود شخصيات مالية خليجية ثرية خاصة في الكويت تمول الجماعة بتحويل أموال الزكاة إليها.. فهدف الدولة الإسلامية هدف يتجاوز البعد المحلي.
وتنفق الجماعة أموالها في أوجه مختلفة.. نحو مليون جنيه شهريا علي قيادتها المتفرغة للعمل في تنظيماتها المختلفة.. المصاريف اليومية.. أقسام الدعوة.. الرحلات.. المعسكرات.. مواقع الإنترنت.. المظاهرات.. الانتخابات.. شراء مقار للنواب.. مرتب شهري للنواب.. تحويل أموال إلي حماس.. شراء صحف صديقة لها تروج لفكرها وتعبر عنها.. الأنشطة الاجتماعية مثل إفطار رمضان الذي يقام في أفخم الفنادق ويحضره مئات من الشخصيات المختلفة.. الانفاق علي الطلبة لتجنيدهم.. والانفاق علي أسر المعتقلين والمحبوسين.. إنها ليست جماعة وإنما دولة داخل دولة.
وتتمتع بعض المحافظات بالاكتفاء الذاتي من خلال ثروات أعضاء الجماعة فيها ومن خلال مشروعاتها هناك.
ويقول محررنا عبدالحفيظ سعد إن المرشد العام بعد القضية الأخيرة قال لأثرياء الجماعة: من يرد إخراج أمواله من مصر فليفعل ومن يرد أن يكمن فليكمن.
ويصعب التسليم بالشائعة التي راجت أخيرا بأن الجماعة تسببت في هبوط التعامل في البورصة أخيرا.. فالشركات التي تملكها الجماعة كما قلت شركات صغيرة.. متداخلة.. أقرب ما تكون بالمغلقة علي أصحابها.. كما أنها شركات لا تريد أن تفصح عن ميزانياتها خوفا من كشف حقيقة ما تفعله.. وأغلب الظن أن مخاوف المتعاملين في البورصة من شهر فبراير.. شهر المتاعب السابقة.. هو ما جعلهم يتوقعون البلاء قبل وقوعه.. ويبيعون أكثر مما يشترون.. فكان ما كان.. لكن.. جهاز الشائعات القوي الذي تتمتع به الجماعة أراد استغلال الموقف لصالحها.. كنوع من الانتقام من الحكومة التي ضربتها ضربة موجعة هذه المرة.
وقد جاءت الضربة بعد استعراض ميليشيات الأزهر وهو اختبار قوة أرادت به الجماعة جس نبض النظام وقياس مدي صبره.. فكان ما كان.