عقب خروج الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل من المعتقل أجري الصحفي مفيد فوزي حواراً معه حول المشهد السياسي لاغتيال السادات علي يد الجماعات الإسلامية التي دعمها الرئيس الراحل. في ختام اللقاء اقترح هيكل علي مفيد عنواناً موحياً للحوار، وكان العنوان: «خطورة أن تربي نمراً في بيتك». ويكاد يكون هذا العنوان تكثيفاً بليغاً لحالة الصراع العلني بين أحمد عز وقيادات الحزب من وزن زكريا عزمي وفتحي سرور.. صراع تجري مشاهده علي الهواء مباشرة، وفي جلسات مجلس الشعب. أحدث حلقات الصراع كانت في جلسة الأربعاء الماضي، مشهد لم يتجاوز عشر دقائق، أمين التنظيم أحمد عز يدافع بحرارة عن قبول استقالة النائب عماد الجلدة. بعد كلمة عز تعالت أصوات التصفيق من جانب نواب الوطني. بعد عز قام النائب الشهير زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية «ذكر المنصب مهم»، رفض زكريا في كلمته قبول استقالة الجلدة. وشرح للنواب أنه يجب إسقاط عضويته بعد إدانته بحكم نهائي في جريمة رشوة مخلة بالشرف. حث عزمي النواب بكلمات مؤثرة علي احترام القانون، وقبل أن ينهي زكريا كلمته انهالت أيضاً أصوات التصفيق من نواب الوطني، ولكن منطق د. زكريا لم يكن كافياً ولا منصبه الرفيع ونفوذه السياسي، ففي لحظة التصويت انجاز نواب الوطني لمنطق «عز» أو بالأحري لنفوذ عز!!
لم تكن استقالة عماد الجلدة مؤثرة في حياته السياسية، فالاستقالة وإسقاط العضوية «سيان»، للنائب الذي يقضي عقوبة الحبس في مزرعة طرة، ولكن عز أصر علي استقالة الجلدة، هل كانت لحظة استعراض قوي ونفوذ عز علي نواب الأغلبية، أم كانت لحظة انتقام من إصرار رئيس المجلس د. فتحي سرور وزكريا عزمي علي إخراج النائب الهولندي «إلهامي عجينة» من المجلس.. وهو النائب الذي كان يحظي بدعم أحمد عز؟! هل أراد عز أن يؤكد لنواب الوطني أنه حصن الأمان لهم ويحصد شعبية برلمانية جديدة؟ هل كان عز يرسل رسالة مباشرة وعلي الهواء مباشرة أنه صاحب السلطة الحقيقية داخل قاعة مجلس الشعب؟! كل هذه الأسئلة كانت تتردد في كواليس المجلس بعد فضيحة قبول استقالة الجلدة.
لم يكن الصراع العلني بين عز وزكريا هو الأول من نوعه، قبل ذلك بأقل من شهرين فعلها عز مع د. فتحي سرور، في نفس قاعة المجلس أعطي «عز» الإشارة بيديه لنواب الوطني للوقوف اعتراضاً علي د. سرور، ومع الوقوف تصفيق مرتفع، بعد وصلة الاعتراض علي سرور، أرسل عز من موقعه البالغ النفوذ ورقة للدكتور سرور، فما كان من الأخير إلا أن مزق الورقة وألقي بها في سلة المهملات!
ما بين واقعة الاعتراض علي سرور، وواقعة تحدي زكريا عزمي، مر أحمد عز علي آخر بقايا نفوذ «كمال الشاذلي»، وآخر ما يملك «دائرة الباجور في الشوري»، اختار الشاذلي مرشحاً من اتباعه فأصر أحمد عز علي اختيار مرشح آخر، مجرد «كتف قانوني» بتعبير أهل الرياضة للشاذلي في عقر داره.
في الموقف الأخير يبدو أن عز خرج منتصراً في معركته علي الدكتور زكريا عزمي، لو ركزت علي النتائج فإن عز حقق انتصاراً، ولكنه انتصار أسوأ من الهزيمة، لو أعدت تركيب الصورة فإن د. زكريا عزمي حقق انتصاراً لا يدرك معناه أحمد عز. لكن بعيدا ًعن الهزائم والانتصارات فإن الخلاف العلني بينهما يفتح الباب مرة أخري للصراع بين الحرس القديم، والحرس الجديد، لا يمكن تجاهل أن د. زكريا عزمي هو من الدائرة الأكثر قرباً من الرئيس مبارك، وأن أحمد عز هو في قلب دائرة جمال مبارك. وبعيداً عن فضيحة استقالة الجلدة، فإن الواقعة تدخل في إطار الصراع المثير بين الفريقين. وفي حساب النتائج فإن «عز» لم يدرك الصورة النهائية للصراع أمام الرأي العام. فزكريا عزمي «رجل الرئيس» قد اختار احترام القانون، ولذلك طالب بإسقاط عضوية الجلدة، أما عز «رجل جمال مبارك»، فقد انحاز لتجاهل تنفيذ القانون. زكريا عزمي «رجل الرئيس» لا يسعي لكسب شعبية علي حساب إهدار القانون كما أنه لا يستعرض نفوذه وقوته علناً وعلي الهواء مباشرة، وبهذه النظرة فإن زكريا عزمي خرج منتصراً في معركة الجلدة رغم فوز عز بأصوات نواب الوطني في التصويت علي استقالة الجلدة.
والمثير أن معظم انتصارات عز في صراعه العلني مع قيادات الحزب من نوع «أسوأ الانتصارات»، ربما لأن أمين التنظيم يتعامل في السياسة بأساليب الاقتصاد، ربما لأن إمبراطور الحديد يسكن تحت جلده، ويجري في شرايينه مجري الدماء.
يعرف الاقتصاديون الاحتكار بأنه الصورة المتوحشة للاقتصاد، فالاحتكار وحش يلتهم بسطوته وسيطرته علي الأسواق كل من يقف في طريقه، ولذلك فقوانين مكافحة الاحتكار هي الأكثر صرامة في العالم كله، لأنها تسعي لسجن وحشية الاحتكار في سجن من القيود والإجراءات، ثمة تشابه بين نموذج الاحتكار المتوحش في الأسواق، وبين صراعات أحمد عز مع قيادات الحزب الوطني، ثمة إحساس بقوة ونفوذ هائلين يسيطران في هذه المواقف علي أحمد عز لديه نفوذ علي النواب، ولكن هذا النفوذ كان موجوداً أيام كمال الشاذلي، والصراعات بين قيادات الحزب ليست وليدة اليوم، ولكنها كانت تجري وفق قواعد السياسة بشكل غير مباشر، وفي الكواليس ولكن خلافات «عز» الأخيرة تجري دائماً علي الهواء مباشرة!! تبدو كإعلان عن نفوذ لم يعد يكتفي بلعب دور خلف كواليس المسرح. بدأ الدكتور فتحي سرور ومر بكمال الشاذلي وأخيراً مع د. زكريا عزمي، والسؤال البديهي من هي الشخصية التالية التي سيهز عز نفوذها؟! لدي إجابة قد تبدو غريبة، لدي اسم غير متوقع، وهو جمال مبارك نفسه، فشهوة النفوذ والسيطرة التي تتألق في الصراعات الأخيرة لعز لا تنبئ بتعاظم نفوذ جمال مبارك، بل إنها تأكل من هذا النفوذ، وتتغذي عليه. يريد «عز» أن يخرج من صورة «الممول للحزب الوطني»، يشتهي أن يحطم صورته لمجرد خزنة عامرة بالنفوذ أو ملياردير الحزب، هذه الشهوة السياسية تبدو هي المحرك في اختيار معاركه، والأهم اختيار خصومه ومنافسيه، وفي كل مرة يخطئ عز في اختيار الخصم، وبالمثل يخطئ في اختيار القضية، وفي كل مرة يتعرض نفوذ جمال مبارك وشعبيته لمزيد من التآكل، ولذلك أشارك كثيرين الرأي في أن الدور علي جمال مبارك.
الثلاثاء 3 يوليو 2007 - 13:48