يوم عصيب قليل أن يمر مثله على الأسواق العالمية وصف بالأسود، حيث منيت أسواق المال أمس بخسائر كبيرة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميريكية مع قيام كبار المستثمرين الذين تأثروا بأزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة بعمليات بيع كبيرة.
ودفعت الأزمة القادة السياسيين الى التدخل، بدءا بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي وجه نداء إلى مجموعة السبع، فيما حاول رئيس الوزراء الاسترالي طمأنة الأسواق، فيما كان قد أشار في وقت سابق حين بدء الأزمة قبل أسبوع، إلى أن الرئيس الأميركي جورج بوش تابع الأمر.
وبدأت المشاكل عندما أعادت البنوك هيكلة قروض الرهن العقاري عالي المخاطر، وبيعها على شكل التزامات دين مضمون وأدوات مالية أخرى لبنوك وصناديق استثمار على مستوى العالم. ومع توقف الطلب على هذه الأوراق المالية لم تتمكن البنوك والصناديق من بيعها واضطرت الى خفض قيمة ما بحوزتها. وأفزع ذلك بدوره المستثمرين وشكل ضغوطا على أسواق الائتمان على مستوى العالم. واستجابت البنوك المركزية بضخ السيولة في أسواق المال لتسهيل التعاملات.
وأمس، أبقت البنوك المركزية الآسيوية والمسؤولون الماليون على رقابة مشددة على اسواق الما،ل وسعوا لطمأنة المستثمرين وسط مخاوف تجتاح المنطقة. ودفعت الأزمة مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) إلى ضخ 17 مليار دولار في محاولة لتهدئة وضع الأسواق من أجل التغلب على أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر الكبيرة، التي أدت إلى اضطراب سوق وول ستريت لليوم الثالث.
وواصلت الأزمة توسعها أمس، لتتسبب بهبوط أسعار النفط للعقود الآجلة حوالي 3 دولارات أمس، متأثرة بانخفاض حاد في الأسواق المالية العالمية بفعل المخاوف بشأن الائتمان والنمو الاقتصادي وانحسار تهديد عاصفة بمنطقة صناعة النفط على ساحل الخليج الامريكي.
وهبطت الأسهم الأوروبية 3 في المائة ظهر أمس، مسجلة أكبر هبوط ليوم واحد في أربع سنوات مع تزايد المخاوف من تداعيات مشاكل سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي دفعت المستثمرين إلى البحث عن ملاذ آمن لأموالهم.
ووسعت الأسهم الأمريكية خسائرها أمس. وتأثرت الأسهم الأوروبية بخسائر لأسهم الشركات المالية مع تزايد القلق من ان تؤدي الأزمة إلى تقييد النمو الاقتصادي.
وأغلق مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الكبرى في اوروبا منخفضا 3.2 في المائة الي 1443.89 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ منتصف مارس (أذار) وأكبر هبوط في يوم واحد من حيث النسبة المئوية منذ منتصف مايو (أيار) 2003. والمؤشر القياسي منخفض أيضا حوالي 3 في المائة عن مستواه في بداية العام، وفي طريقه لتسجيل خامس هبوط أسبوعي على التوالي.
وفي باريس أغلق مؤشر كاك لأسهم الشركات الفرنسية الكبرى منخفضا 3.3 في المائة.ووسعت الأسهم الامريكية خسائرها أمس، دافعة مؤشري داو جونز الصناعي وستاندارد اند بورز ليهبطا بأكثر من 1 في المائة مع ازدياد المخاوف من تدهور الأوضاع في سوق الائتمان.
وتراجع مؤشر ناسداك المجمع الذي تغلب عليه اسهم شركات التكنولوجيا 21.9 نقطة أو 0.89 في المائة إلى 2436.93 نقطة.
ويأتي يتدخل مجلس الاحتياط في سوق المال بضخ 5 مليارات دولار قبل افتتاح بورصة نيويورك و12 مليارا بعد الافتتاح بساعتين في أعقاب تراجع أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا من جديد.
وبضخ مجلس الاحتياط هذه الأموال الجديدة، فإنه يكون قد ضخ 57 مليار دولار في شكل قروض قصيرة الأجل في سوق المال، التي اهتزت بفعل مشاكل القطاع المالي المتعلقة بقروض الرهن العقاري التي تزايدت حالات التعثر عن سدادها بشكل كبير.
وكانت أزمة الائتمان المتنامية قد دفعت العائد على أذون الخزانة الأمريكية لأجل ثلاثة أشهر إلى التراجع لأدنى مستوياتها، فيما يقرب من 18 عاما. ويعكس الطلب على أذون الخزانة حجم ما تسببت فيه أزمة الائتمان المتزايدة من صعوبات أمام الشركات لتأجيل سداد ديونها قصيرة الأجل. وأدت أزمة الائتمان إلى وضع أسهم المؤسسات المالية تحت وطأة ضغوط شديدة في وول ستريت.
وفي آسيا راقبت البنوك المركزية، حيث سعت إلى طمأنة المستثمرين. وقال بي.كيه باسو كبير الاقتصاديين المختص بآسيا باستثناء اليابان في دايوا «العوامل الاقتصادية الأساسية في آسيا قوية جدا. ومع ذلك من الصعب التنبؤ بمال التزامات الدين المضمون والاوراق المالية المشتقة المصدرة لضمان الرهونات العقارية عالية المخاطر».
وفي أستراليا ضخ البنك المركزي أموالا أكثر من المعتاد في النظام المصرفي أمس، وهو ما اعتبره المحللون محاولة للحد من ضغوط تدفع أسعار الفائدة للارتفاع. وقال بنك الاحتياطي النيوزيلندي (المركزي) انه يرقب الأسواق عن كثب، لكنه مقتنع بأن مستويات السيولة في القطاع المصرفي كافية.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن قال وليام بول رئيس بنك سانت لويس الاحتياطي الاتحادي، ان أزمة أسواق المال لم تضعف الاقتصاد الامريكي، وليس هناك حاجة لتدخل البنوك المركزية بخفض طارئ في أسعار الفائدة. لكن الأسواق لم تطمئن. فواصلت أسواق الاسهم الآسيوية تراجعها وهبط مؤشر نيكي الياباني الى ادنى مستوياته في ثمانية أشهر ونصف والشهر. وأدى تجنب التعاملات الخطرة في أسواق الصرف الى ارتفاع الين الى أعلى مستوياته في خمسة أشهر أمام الدولار واليورو مع احجام المستثمرين عن عمليات الاقتراض بالين منخفض العائد لتمويل الاستثمار في عملات ذات عائد مرتفع.ومما أثار المخاوف في الفترة الأخيرة كذلك اثارة محلل في ميريل لينش لاحتمال ان تواجه شركة كانتري وايد فاينانشال أكبر شركة امريكية للرهن العقاري الافلاس، إذا ساءت الأوضاع في السوق.
وفي الاسبوع الماضي انضمت البنوك المركزية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لحملة عالمية من جانب السلطات النقدية لتهدئة أسواق الائتمان عن طريق ضخ السيولة في القطاع المصرفي. وبدا الوضع أكثر هدوءا أول من أمس، بعد أن سحبت البنوك المركزية في أوروبا واليابان سيولة نقدية من السوق. وفي كندا ضخ البنك المركزي 330 مليون دولار، بعد أن وقف يوما على الهامش من خلال اتفاقات اعادة شراء أوراق مالية. ويراهن المستثمرون بدرجة كبيرة على أن البنوك المركزية سيتعين عليها القيام بأكثر من ضخ السيولة في الأسواق. واسواق التعاملات الآجلة بدأت تستوعب بالفعل احتمال ان يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي سعر الفائدة. وتترقب الأسواق أية دلائل جديدة على أن مشاكل سوق الرهونات العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة تمتد ليشمل أثرها الاقتصاد عموما وهو ما دفع المستثمرين إلى الإقبال على العملات منخفضة العائد سعيا لتجنب المخاطر.
وشهدت بورصات آسيا يوما اسود. إذ بدأت الخسائر واضحة في بورصة طوكيو التي أقفلت على تراجع كبير جديد بلغ 1.99%. وخسر مؤشر نيكاي 12.327 نقطة ليقفل عند 49.16148 نقطة وهو ادنى مستوى له منذ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكان المؤشر خسر اكثر من 3% خلال جلسة أمس، وتراجع الى ما دون 16 الف نقطة للمرة الاولى منذ تسعة اشهر، قبل ان يستأنف ارتفاعه. وبعيد افتتاح الجلسة، اعلن المصرف المركزي الياباني انه سيضخ 400 مليار ين (5.2 مليار يورو) في الاسواق المصرفية الداخلية، للمرة الاولى منذ الاثنين. الا ان هذا القرار لم يؤثر على الاسواق.
وحتى بورصة شنغهاي انخفضت 14.2%. وفي سيول، خسر المؤشر «كوبسي« 93.6% اي ما يعادل 91.125 نقطة عند الاغلاق، في اكبر تراجع في تاريخه. وكما في البورصات الاخرى، كانت اسهم دور الوساطة والمصارف الاكثر تضررا.
وقال المحلل لدى «بوكوك سيكيوريتيز» كيم مين سونغ ان «السوق التي لم تمنح مهلة لهضم انعكاسات تراجع الاسواق لأنها كانت في عطلة الاربعاء، انهارت اليوم». وعلقت في سيول جلسة المداولات موقتا في سوق أسهم قطاع التكنولوجيا الذي تراجع مؤشره اكثر من 10 في المائة.
وفي سيدني، اعترفت مجموعة الاقراض العقارية الاسترالية «ار.ايه.ام.اس» انها غير قادرة على اعادة تمويل خمسة مليارات دولار من الديون بسبب تشديد القيود على القروض العقارية في الولايات المتحدة.
واستقبلت سيدني هذا النبأ بخسارة بلغت خمسة في المائة خلال الجلسة قبل ان تشهد تحسنا وتقفل على انخفاض قيمته 56.1%. أما البورصة النيوزيلاندية فخسرت 18.1%. وساد الذعر في مانيلا حيث انخفض مؤشرها 01.6% بينما اغلقت بورصة تايبيه على 56.4%. وواصلت بورصة بومباي ايضا انخفاضها ليصل مؤشرها «سينسكس» لأسهم ثلاثين شركة كبرى الى 21.14358 نقطة بعد خسارة 28.4% اي 70.642 نقطة عند الاغلاق. وفي بانكوك، خسرت البورصة 09.4% منتصف أمس بسبب عمليات بيع كبيرة مرتبطة بأزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة. وتراجع مؤشر سوق المبادلات التايلاندي 64.31 نقطة ليصل الى 28.742 نقطة في ختام الجلسة الصباحية لبورصة بانكوك. ومع ان الجزء الاكبر من مصارف آسيا ليست معرضة نسبيا لخطر القروض الأميركية السيئة، تبدو بعض صناديق الاستثمار عاجزة عن استعادة القروض الممنوحة، رغم الخطورة التي تنطوي عليها وتسعى للتعويض عن هذه الخسائر ببيع اسهم في البورصة.