نقلا عن وشوشه: لعبة البيزنس مثل الطوفان.. عندما تحين ساعة الصفر تنسحب كل المشاعر والعلاقات الإنسانية الأخري.. كل الأشياء الجميلة يمكن أن تهون فيما عدا شيء واحد.. البحث عن طوق نجاة أو أية وسيلة إنقاذ، حتي ولو جاءت علي حساب أقرب الناس لديك!
هذه القاعدة متبعة في عالم رجال الأعمال، ويحفظها الجميع عن ظهر قلب.. فالغلبة في أية علاقة مهما بلغت متانتها، تكون في النهاية لمنطق المكسب والخسارة.. ودفتر الشيكات وحده قادر علي تقريب الناس أو تفريقهم!
قصة «العبار ــ جبر» تتطابق حرفياً وكلياً مع القاعدة السابقة.. العلاقة بينهما بدأت بالود والانسجام والمحبة، وسرعان ما تعكر صفوها عندما تقاطعت المصالح.. الجزء الأول من المسلسل بدأ قبل أسابيع، تخللته دراما عالية جداً.. مطاردات ومفاوضات، ثم تراجع وانسحاب.. بعدها فوجئنا بنزول التترات معلنة عن استمرار الحلقات، قبل أن يتزوج البطلان علي طريقة الدراما المصرية.. بل ظلت حالة الانفصال والخصام باقية، علي الرغم من مساعي أهل الخير «الحكومة»!
الجزء الثاني من المسلسل بدأ يوم الخميس الماضي عندما وصلت طائرة «محمد العبار» مطار القاهرة ، للبدء بجولة ثانية ــ وربما أخيرة ــ من المفاوضات.. وفقاً لتكهنات المقربين من الرجلين، فإن أحداث الجزء الثاني لن تقل تشويقاً وإثارة عن الأول.. كما يتوقع الكثيرون أنها لن تكون المتممة للقصة التي حظيت بأكبر نسبة مشاهدة من الرأي العام، فالطرفان غير مستعدين لتقديم جزء ثالث، رغم أن كل الاحتمالات مازالت مطروحة وغير مستبعدة.
وللجمهور الذي لم يتابع الجزء الأول، سنروي القصة بإيجاز شديد:
غادر محمد العبار «رئيس مجلس إدارة شركة إعمار مصر ودبي» بطائرته الخاصة أرض القاهرة يوم الأحد 11 فبراير، دون التوصل إلي اتفاق نهائي مع شفيق جبر نائب رئيس مجلس الإدارة حول أيهما سينفرد بشركة إعمار وحده دون شريك.. العبار الذي جاء محاطاً بشلة من المحامين والخبراء عرض أن يكون المالك الوحيد مقابل دفع مبلغ معقول من الملايين نظير خروج شفيق جبر بنسبة الـ 60% والمؤكد أن العبار عندما أصر علي الانفصال لم يكن تحت تأثير حالة مزاجية سيئة.. أو مدفوعاً برغبة وهمية، وإنما إصراره جاء بعد تصرفات شفيق جبر والتي وصفها العبار بأنها غير لائقة، وقد تضر بسمعة شركة «إعمار».. ومثلاً أن شفيق جبر حصل بموجب مقدمات الحاجزين في مشروع مراسي سيدي عبد الرحمن، وتبلغ نحو «400 مليون جنيه»، علي تسهيلات بنكية من البنك العربي الأفريقي عبر صديقه حسن عبدالله رئيس مجلس الإدارة.. وهو ما اعتبره العبار خرقاً لنصوص العقد بينهما.. رغم أن شفيق جبر ملأ الدنيا حديثاً بأن ما فعله كان بعلم وموافقة رئيس مجلس إدارة إعمار.
المهم، جاء العبار، وتفاوض لمدة يومين مع شفيق جبر وبحضور محمود محيي الدين وزير الاستثمار، وعلي عبدالعزيز رئيس الشركة القابضة للسياحة.. في البدء وافق جبر علي الخروج من الصفقة، واتفق الطرفان علي توقيع العقد بفندق النيل هيلتون، وبعد أن ظن الجميع أن العاصفة قد هدأت، هبت رياح أخري قادمة من تجاه شفيق جبر حيث تراجع مجدداً عن اتفاقه، وأعاد الخلاف لنقطة البداية.
في تلك اللحظات وجد العبار أن وجوده في مصر لم يعد مجدياً، فعاد للإمارات، ولكن معه رسالة واضحة للمسئولين هناك بأن الاستثمار العقاري في مصر لم يعد آمناً، وأن رغبته في تحويل استثماراته للقاهرة سوف تمر بعوائق ومطبات، قد يكون هو في غني عنها.
مرت أيام، والمفاوضات جارية.. العبار في دبي، وشفيق جبر في القاهرة.. وفوجئنا مساء الخميس الماضي بوصول طائرة العبار مجددا إلي القاهرة.. وبالتأكيد هناك أشياء قد استجدت وتحتاج لوجود العبار شخصياً!
المعلومات التي صاحبت وصول العبار تؤكد أنه قد اتفق مع جبر علي شراء حصته مقابل مليار جنيه «170 مليون دولار».. وأن جبر قد وافق بعد أن فشل خلال الأيام الماضية في البحث عن شريك بديل للعبار، مثل شركة «أبراج الإمارات» التي رفضت عرض شفيق بمشاركته، وعدد آخر من الشركات الأجنبية أخذت نفس الموقف.. وهناك شيء آخر ربما دفع جبر لإعلان خروجه.. حيث بدأ بعض الحاجزين في المشروع في سحب مقدمات الحجز، بعد أن أطلت الأزمة برأسها من خلال وسائل الإعلام، وبالأخص «الفجر» التي استشعرت الخطر وحذرت منه، فأغلبهم كانوا قد تهافتوا علي مشروع «مراسي» لسمعة إعمار العالمية، وفي ظل وجود شائعات عن إمكانية تخارج الشركة الإماراتية، قامت نسبة لا بأس بها ممن حجزوا للمسارعة بسحب مقدمات وحداتهم.. في بداية الأمر كانت المعاملة قاسية من موظفي «إعمار مصر» التابعين لجبر، لكن في النهاية استلم الحاجزون شيكات بالمقدمات المدفوعة، عن طريق شيكات شركة «أرتوك» التابعة لجبر، التي تسبب استخدامها في المشكلة الرئيسية بين الشركتين، وغالبا فإن إدارة شركة شفيق جبر تداركت هذه المشكلة بعد علامات الاستفهام العديدة التي ظهرت بسبب استخدام شيكات أرتوك، حيث بدأت في نهاية الأسبوع الماضي ـ ولأول مرة ـ في استخدام شيكات شركة «إعمار مصر»، لرد مقدمات الحجز، وهو ما أثار علامة استفهام جديدة وتساؤلا مهما، وهو: هل حساب أرتوك لا يكفي لتغطية المبالغ المطلوبة؟! خصوصا أن هناك معلومات مؤكدة تفيد بأن شفيق جبر قام برهن بعض ممتلكاته الشخصية، لتوفير سيولة نقدية كافية.
المثير أنه في يوم الخميس الماضي طلب خمسون شخصا استرداد مقدمات الوحدات وحصلوا عليها بسلاسة مدهشة ومعاملة عالية المستوي بشيكات «إعمار»، وقد توجه أغلبهم في صباح يوم الأحد إلي البنوك، لصرف الشيكات، نظرا لقلقهم من عدم وجود أرصدة كافية.. وبعد انتظار حوالي أربع ساعات تم صرف الشيكات، وعلل البنك سبب التأخير بوجود تسهيلات بنكية وإجراءات معقدة للانتهاء من إجراءات الصرف.
المهم أن جبر ولإثبات حسن النوايا قد رد فلوس الحاجزين بعد تقديمهم طلباً بهذا المعني بعد يومين فقط.. رغم أن نص العقد الابتدائي يعطيه الحق في رد المبالغ بعد شهر من تقديم طلب الاسترداد.. وهذا ذكاء يحسب لشفيق جبر الذي حاول أن يظهر في اللحظة الأخيرة بصورة «الجنتلمان» أو الشريك المحترم والوفي لمودعيه.
علي جانب آخر ظلت الاجتماعات بين الطرفين قائمة، وعلي قدم وساق طوال اليومين الماضيين.. الأطراف كلها اجتمعت في فندق الفورسيزون «جاردن سيتي» لوضع النقاط علي الحروف.. وانتهوا إلي أن يحصل شفيق علي مليار جنيه دون ضرائب.. لأن العبار سيشتري حصة أسهمه في الشركة، ومن المعروف أن شراء الأسهم غير خاضع للضريبة في مصر، يعني مليار جنيه بدون ضرائب ولا حجوزات.
وفي صباح أمس الأول «الأحد»، وبعد ضغوط من الجانب المصري، وافق «العبار» علي التواجد مع شفيق جبر، نائبه في مجلس إدارة «إعمار مصر»، للتوقيع علي العقد الأول الخاص ببيع أرض سيدي عبد الرحمن «مراسي» لشركة «إعمار مصر» لإعطاء شكل رسمي للتعاقد الابتدائي، وغالبا لتهدئة نفوس الحاجزين، وأيضا لتهدئة نفوس المستثمرين العرب في مصر، وتمت مراسم توقيع العقد في الماريوت، في تمام الساعة التاسعة صباحا، بحضور علي عبد العزيز، رئيس الشركة القابضة للسياحة، والتي باعت الأرض.
وكان رفض العبار لمثل هذا الزواج المزيف، الذي سوف يتبعه طلاق، وهو ما يتناسب وعقليته التجارية التي لا تعترف بـ «اللف والدوران»، لكن في النهاية رضخ لضغوط الحكومة المصرية، ووقع علي عقد الشراء للأرض، بصفته رئيس مجلس الإدارة.
وللمرة الثانية في أسبوع واحد يترك العبار القاهرة، مع مجموعته متجها إلي دبي، تاركا الموقف مجمدا.
بهذه القصة نكون قد وصلنا إلي نهاية الحلقة الثانية من مسلسل «جبر والعبار»، والمفروض أن الحلقة الثالثة، التي يتوقع الجميع بدايتها بعد أسبوع، بعد أن يكون مستشارو ومحامو ومحاسبو الطرفين قد وصلوا إلي الاتفاق النهائي لتخارج جبر، ستنتهي باستلامه الشيك الذي أصبح شهيرا جدا، والمقدر بـ 170 مليون دولار، أو ما يقترب من مليار جنيه مصري، والمعروف أنه قد استثمر في هذه الشركة مبلغا لا يتعدي 50 مليون جنيه، أي أنه حصل في أقل من عام علي مكسب يصعب تحديد نسبته بقانون التجارة الذي نعرفه، والأصفار كثيرة، ولا نرغب في إغفال واحد أو اثنين منها بالخطأ.
لكن في النهاية نود أن نؤكد أنه لا أحد يمكنه التكهن بنهاية المسلسل، لأن جبر قد يتراجع فجأة، في حال وجود مستثمر عربي منافس للعبار، يود مشاركته أو ربما يقرر فجأة قلب «الترابيزة» بعد قراءة مثل هذا التحليل الذي لا يناسب أهواءه.
ومن جانبنا وسواء استمر موقف الطرفين أو تغير فنحن في انتظار الجديد، ونعدكم بنشره أولا بأول.
ملحوظة:
فجأة توقفت حملات الدعاية المباشرة وغير المباشرة لمشروع «إعمار مصر» لصاحبه شفيق جبر في جميع الصحف القومية والمستقلة، وفي حال عودتها مرة أخري فهذا يعني مشكلات جديدة للعبار.
الأربعاء 21 فبراير 2007 - 11:53